تكتسب العلاقات العامة أهمية خاصة لجميع المراكز والمؤسسات في هذا العصر، وخصوصاً تلك التي تعمل في الأوساط الدولية وذلك للتعريف والتعرف والاتصال مع باقي المراكز والمؤسسات الدولية. وقد دفع هذا الامر مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية، التي تبنت حملة منظمة لاقامة وتوطيد العلاقات مع المنظمات الدولية والاطراف الفاعلة في مختلف أنحاء العالم، الى تأسيس مكتب للعلاقات العامة للتنسيق ودعم المسلمين الشيعة لاقامة علاقات طيبة مع مختلف المؤسسات العالمية، ولاظهار الجوانب الايجابية والمشرقة لمذهب آل البيت ومؤسساتهم وتراثهم، حيث يتبنى هذا المكتب تعريف نشاط المؤسسة وعلاقتها في المحافل الدولية والاقليمية.
ويتطلب العمل في مكتب العلاقات العامة فهم الآلية السياسية وعملية صناعة القرار ومداخل التاثير عليه، من خلال تنسيق عملية الضغط على المؤسسات والشخصيات السياسية باعداد الوثائق اللازمة والحجج والمناقشات ليتم تقديمها اليهم، خصوصا ممن يهتم أو يتعاطف مع القضية المطروحة. كذلك تجري عملية بناء قاعدة اوسع في التأييد والوصول الى المزيد من المنظمات والشخصيات وايصال القضية الى الاجتماعات السياسية وأجهزة الاعلام، ومن ثم التحرك نحو مراكز صنع القرار واستخدام كل المواقف والوثائق والتصريحات من اجل تحقيق الاهداف المرجوة.
كما يجري في أحيان كثيرة، عملية تصحيح الصورة النمطية أو السلبية عن المسلمين عموما والشيعة من خلال الحديث المباشر والمدروس سواء مع الرأي العام أو مع صانعي القرار، حيث تنجز تلك العملية ما لا تنجزه التظاهرات الصاخبة والمنشورات الكثيرة. فالآراء التي تتلقاها لجان صياغة القرار من جماعات الضغط والاعلام ورسائل المواطنين ووجهات نظر المفكرين وغيرها من اشكال التعبير، تؤثر بشكل حقيقي في طريقة صياغة القرار.
وعلى ضوء هذا الفهم، باشر مكتب العلاقات العامة في اقامة علاقات شخصية ومباشرة مع دوائر شؤون منطقة الشرق الاوسط في وزارات الخارجية للدول الاجنبية، وبعثات الامم المتحدة، والوكالات الدولية، والمنظمات غير الحكومية، واساتذة الجامعات، واعضاء البرلمانات، وغيرها من جماعات الضغط. وزوّد المنظمات المعنية اعلاه بالمعلومات الصحيحة من أجل الحصول على الدعم العالمي للقضايا التي تخص المسلمين عموما والشيعة خصوصا ً في كل مكان.
وقد شملت الاتصالات العديد من مكاتب الامم المتحدة في جنيف ونيويورك، وتم التنسيق بشكل مفصل مع المبعوثين الخاصين للامم المتحدة في العراق،، ومع مركز حقوق الانسان في جنيف ونيويورك، واليونسكو بالاضافة الى لقاءات واسعة مع سفراء البعثات الدبلوماسية لكثير من دول العالم في الامم المتحدة، وكذلك بعض أعضاء مجلس الامن، اضافة الى اجراء العديد من اللقاءات والاتصالات مع منظمات طوعية مهتمة بشؤون حقوق الانسان والحقوق الدينية وكذلك اجراء اتصالات مع المنظمات المعنية بالمساعدات الانسانية.
أهداف وأساليب العمل في مكتب العلاقات العامة
وضع مكتب العلاقات العامة خطة محددة استهدفت الاولويات التالية:
- الدفاع عن قضايا المسلمين العادلة بصورة عامة من خلال تصحيح الصور النمطية والمفاهيم الخاطئة الشائعة في الاعلام الغربي بصورة عامة من خلال كتابة الردود والتعليقات الى الصحف وكذلك المساهمة في المؤتمرات المعنية بهذا الخصوص كما حصل في بريطانيا وهولندا ودول كثيرة.
ـ تولي الدفاع عن حقوق الاقليات خصوصا في العراق وسوريا لما تعرض له البلدان من هجمة أرهابية قامت بها المجموعات الارهابية من خلال تنظيم المؤتمرات ودعوة ممثلي الاقليات الى جلسات وورش عمل مخصصة لهذا الغرض.
ـ رصد المخاطر التي يتعرض لها الشيعة في كل مكان والعمل من أجل حمايتهم والتخفيف من معاناتهم.
ـ تقديم صوت شيعي معتدل ومسؤول في ما يتعلق بالامور الدولية المتعلقة بالتشيع عموما.
ـ تعريف المرجعية الدينية وتقديمها للعالم الخارجي، كونها أعلى سلطة روحية، علمية، عقائدية للشيعة في العالم.
ومن أجل تحقيق الاهداف اعلاه، تبنت المؤسسة الوسائل التالية:
ـ إقامة علاقات دولية مباشرة مع الاوساط الصحافية والسياسية والانسانية.
ـ تشكيل ودعم الهيئات المتخصصة والمعنية بالشوؤن العامة للشيعة.
ـ تنظيم علاقات حسنة مع الدول الاسلامية والحكومات العربية والمؤسسات الدينية الرسمية في العالم.
ـ أثمر الجهد الدولي المتتالي لنشاطات مكتب العلاقات العامة والمؤسسة عن الحصول على عضوية هيئة الأمم المتحدة بصفة منظمة غير حكومية ذات صفة إستشارية عامة.
مخاطبة الغرب والدفاع عن قضايا المسلمين
لقد تولى المكتب ولسنوات عديدة اصدار النشرة الشهرية باللغة الانكليزية والفرنسية "Dialogue" والمخصصة للغربيين بصورة عامة والدبلوماسيين والمسؤولين في الدوائر المشرفة على سياسة الشرق الاوسط على وجه الخصوص وتوسيع دائرة اقلام الكتاب فيها حيث شملت شخصيات عالمية بارزة. كذلك قام المكتب برصد ما يكتب وينشر عن اوضاع المسلمين عموما والشيعة في العالم خاصة. كما جرى التنسيق والعمل مع العديد من الهيئات الدولية المعنية بأوضاع المسلمين في منطقة كشمير ومساعدة هيئات المسلمين في علاقاتهم الدولية وزيارة المنطقة مع وفود دولية لتقصي الحقائق. كذلك الحال في مناطق أخرى كالبوسنة والهرسك والهند وغيرهما. وفي أغلب الاحيان تكون المبادرة من قبل المسلمين أنفسهم، حيث يتلقون الدعم الكامل من مكتب العلاقات في المؤسسة، والذي أخذ على عاتقه دعم الحملة وتزويد العاملين فيها بامكانيات وخبرات المؤسسة، وتطلبت كل هذه الحملات درجة عالية من التنسيق والمعرفة الدقيقة باسلوب وطريقة عمل المؤسسات الدولية. كذلك تم التنسيق مع العديد من المنظمات الاسلامية المعنية بشكل كبير بشؤون المدارس والتربية والتعليم في بريطانيا لتمثيل المسلمين في العلاقة مع وزارة التعليم البريطانية، اضافة الى التنسيق مع المنظمات والهيئات الاسلامية المعنية بأمور الاغاثة والاعلام والحوار واوضاع الجاليات المسلمة في الغرب.
كذلك ساهم المكتب مع مجموعة اكاديميين في عقد ندوتين عن اوضاع المسلمين في الشيشان، كانت الاولى في معهد الدراسات الشرقية والافريقية "SOAS" في لندن والثانية في الجمعية الملكية للجغرافيا، وساهم المكتب كعضو مؤسس في لجنة شمال القوقاز. كما أقام مكتب العلاقات سلسلة ندوات عن اوضاع الشيعة، قدمت فيها بحوث عن اوضاع الشيعة في العراق وفي بعض الدول العربية وفي آسيا الوسطى وعن اوضاع العلويين في تركيا، فضلا عن المساهمة الدورية في ندوات الحوار المختلفة، كالحوار الاسلامي الاسلامي، والحوار الاسلامي المسيحي، والمساهمة في نشاطات كلية "سلي اوك" للدراسات الاسلامية في برمنگهام.
الدفاع عن قضية الشعب العراقي
ساهم المكتب بشكل ملموس في الجهود الرامية الى التخفيف من معاناة الشعب العراقي خلال العقود الماضية عبر المشاركة والحضور الفاعل في اللقاءات المعنية بالوضع العراقي. ولقد استطاع المكتب تحويل قضية الشعب العراقي الى قضية عالمية من خلال التركيز على دعم اللاجئين، عن طريق فتح صندوق خيري لمساعدة اللاجئين العراقيين، وتوطيد التعاون مع المنظمات الانسانية منها على سبيل المثال: "ميدل ايست ووچ"، "رفيوجي انترناشنال"، "كويكرز"، "امنستي انترناشنال" و "يوروبيان نيوكلير ديسأرمومنت". كما ساهم المكتب وبشكل فاعل مع المقرر الخاص للامم المتحدة المعني بحقوق الانسان في العراق وقد تضمن كثيراً من تقارير الامم المتحدة العديد مما قدمه المكتب من تقارير بشأن الموضوع، وكذلك مساعدة بقية المنظمات الدولية والانسانية والحكومية في اعداد تقاريرها السنوية حول العراق. ومن الحملات الناجحة التي دعمتها المؤسسة هي حماية أهالي الاهوار في جنوب العراق من خلال فضح الجرائم التي مارسها النظام العراقي السابق حيث جرى توثيق هذه الجرائم بالصور والوثائق والافلام، فتم إرسال موفدين خاصين الى المنطقة، كما تم الاتصال بالهيئات الدولية والاعلام والتنسيق معهم جميعا في إظهار هذه القضية، وقد نجحت الحملة في وضع قضية الاهوار على جدول أعمال الامم المتحدة وثبتتها عبر التغطية الاعلامية العالمية، وفي تقارير المؤسسات الدولية. كما ساهم المكتب في إنتاج الفيلم الشهير "Saddam’s Killing Fields" الذي أخرجه المؤرخ البريطاني المشهور "مايكل وود".
العلاقة مع المنظمات الدولية
شارك المكتب في مؤتمرات المرأة العالمي للامم المتحدة وفي لقاءات المتابعة لمؤتمر التنمية في السويد وفي اللقاءات التحضيرية لمؤتمر الاسكان في تركيا وغيرها من المؤتمرات العالمية. كما قدم المكتب ابحاثاً الى العديد من المؤتمرات العالمية المتخصصة بالشؤون الاسلامية وشؤون منطقة الشرق الاوسط وأهمها مؤتمرات "ولتن باركط و"مؤسسة ديتشلي" و"مشروع الخليج الفين" و"معهد اميركا" و"مؤسسة كارنيجي" و"مؤسسة روكفلر". كما ساهم مكتب العلاقات في العديد من المؤتمرات واللقاءات للهيئات الاكاديمية والعلمية مثل معهد الشرق الاوسط ورابطة "ميسا" الاكاديمية، ورابطة "برزمز" الاكاديمية.
كما أثمرت جهود مكتب العلاقات العامة في ادامة الصلات واللقاءات مع العديد من الشخصيات والمنظمات والمؤسسات والحكومات، وكذلك العديد من بعثات الدول في الامم المتحدة. كما تمت اتصالات مباشرة مع اكثر من عشرين بعثة رسمية في هيئة الامم المتحدة ومكاتب وفروع الهيئة العامة في نيويورك وجنيف من قبيل: اليونسكو، المختفون، الحقوق الدينية، الاعتقال غير القانوني، والمنظمات الدينية المختلفة، والهيئات الاكاديمية، وكذلك المساهمة في الندوات العامة والخاصة، مما ساهم في تصحيح صورة المسلمين في الغرب وكذلك صورة الشيعة في العالم الغربي، كما تم تنظيم ندوات مفتوحة في عدة مدن عالمية مهمة تضم الشخصيات الشيعية البارزة للتعرف على رجال السياسة والصحافة والاعلام. وقد ساهمت هذه الاتصالات بشكل ملموس في تغيير بعض ما يكتب عن الشيعة وفي تعديل بعض المواقف، خصوصاً ما كتبه الصحافيون حول مأساة الشيعة واوضاع المرجعية خلال الاحداث المهمة في الاعوام السابقة.
وأقام مكتب العلاقات العامة قنوات اتصال مع أهم الصحف العالمية، وشبكات الراديو والتلفزة، وبنى علاقاته على اساس مصداقية المعلومات التي يقدمها مكتب العلاقات العامة ودقتها. فمؤسسة الإمام الخوئي هي جمعية ثقافية دينية خيرية وليست منظمة سياسية، وهي متخصصة بوضع المسلمين الشيعة وشؤونهم الدينية والاجتماعية بالدرجة الاولى، الا انها غير محصورة بذلك فقط، وتشترك في اهتماماتها العامة ببقية شوؤن المسلمين مع العديد من المنظمات الدينية والانسانية والسياسية الاخرى. وبسبب التزام المؤسسة بدستورها واختصاصها فقد تزايدت مصداقيتها واعتبارها عند اجهزة الاعلام واصبحت تقارير المؤسسة اساسا تعتمده اجهزة الاعلام وترجع اليه في الحصول على الاخبار الصحيحة وتمييز الواقع من المبالغات أو الاهمال التي تفرضها الاجواء السياسية الصاخبة، فيما يتعلق بوضع المسلمين. وقد ساهم مكتب العلاقات العامة في توجيه التغطية الخبرية للعديد من الاحداث التي جرت في منطقة الشرق الاوسط وخصوصا العراق، وساهم ممثلوا المؤسسة في العشرات من المقابلات الصحفية والبرامج التلفزيونية في كبريات أجهزة الاعلام العالمية خلال الفترة الماضية.
تكتسب التقارير الدولية أهمية معنوية كبيرة لانها تمثل ورقة ضغط سياسية دولية ولا تخلو من آثار مباشرة في بعض الاحيان، ومن أهم التقارير التي صدرت بهذا الخصوص هي تلك التي أعدّها المقرر الخاص للامم المتحدة المعني بانتهاكات حقوق الانسان في العراق "السيد ماكس فان دير شتول"، والذي صدر بعد عام على مرور الانتفاضة العراقية في عام 1991م، حيث جاء التقرير في سبعين صفحة. وقد لخص السيد شتول استنتاجاته وتوصياته في عشر صفحات جاء فيها "ان حجم الانتهاكات قد فاق كل التصورات الاولية، وان عدد الضحايا يبلغ مئات الآلاف وقد يزيد على ذلك، وانه من الصعب مقارنة ما جرى في العراق مع أية حالة أخرى في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية" ولم يكتف بالادانة ولكنه دعا الامم المتحدة الى "ارسال مراقبين دائمين لرصد تصرفات رجال الامن والمخابرات في العراق، وزيارة السجون وفسح المجال امام المواطنين، تحت حماية الامم المتحدة للادلاء بشهاداتهم عن الجرائم التي ارتكبتها السلطة" وختم توصياته "بـتذكير مجلس الامن أن قرار 886 المعني بحقوق الانسان في العراق لم يطبق بعد" وناشدهم بلزوم "تطبيقه كبقية قرارات الامم المتحدة" وما صدر عن المقرر الخاص للاضطهاد الديني التابع للامم المتحدة في جنيف، كما اصدرت العديد من المنظمات الطوعية مثل منظمة "العفو الدولية" ومقرها الرئيسي في لندن، ومنظمة "رصد حقوق الانسان" ومقرها الرئيسي في نيويورك، ومنظمة "حقوق الاقليات ولجان البرلمانات" في بريطانيا واميركا وغيرها من الدول، والعشرات من المنظمات المعنية مثل "منظمة رقيب حقوق الانسان في الشرق الاوسط" ومقرها في نيويورك، والتي اصدرت كلها تقارير مماثلة.
جهود ناجحة تقود الى اعتراف دولي: المؤسسة تنال عضوية هيئة الأمم المتحدة
نجحت جهود المؤسسة بعد عمل شاق وجهد كبير في الحصول على مركز العضوية الاستشارية العامة في منظمة الأمم المتحدة، في العام ١٩٩٨م وهو الهدف الذي كان يعمل من أجله الشهيد السعيد السيد محمد تقي الخوئي الأمين العام الاول للمؤسسة (رض)، للارتقاء بوضع أبناء الطائفة الى المستوى اللائق والمناسب بها في الاوساط الدولية ومراكز القرار العالمي، وكان ذلك من الاسباب المهمة في اشتداد غضب النظام العراقي على الشهيد، ولم يعد يتحمل نشاطاته الكبيرة في هذا المجال، حتى دبّر له حادث إستشهاده (رضوان الله تعالى عليه).
وقد عمل المكتب بكل جهد ومثابرة لابراز نشاطات وفعاليات المؤسسة ودورها وحضورها الفعال في مختلف ميادين العمل الاسلامي، وبالخصوص فيما يتعلق بأوضاع أبناء الطائفة الشيعية في العديد من دول العالم، وذلك من خلال الاتصال والمتابعة والحضور الفاعل في المحافل الرسمية وشبه الرسمية، وبيان وتوضيح الرأي والموقف الاسلامي لمختلف القضايا المطروحة.
وكما هو معلوم فان منظمة الأمم المتحدة تضم في عضويتها ١٨٦ دولة تتكون منهم الجمعية العمومية، كما تضم العديد من المنظمات العالمية غير الحكومية (NGO). ومنذ تأسيس المنظمة الدولية "الأمم المتحدة" والى اليوم، فقد حصلت على هذا النوع من العضوية عدد قليل جدا من كبريات المنظمات العالمية فقط، من قبيل "الصليب الأحمر" و"منظمة العفو الدولية" و"رابطة العالم الاسلامي" وغيرها.
إن قبول عضوية مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية في الامم المتحدة بصفة "مستشار عام" يعد بحق حدثا كبيرا في أعمال المؤسسة وتطورا نوعيا في مستوى أدائها، ويمثل جزءا مهماً من الانفتاح والعمل الجدي في الساحة الدولية.